الإسلام والحب
قال الشيخ سلمان: الإسلام نفسه هو دين الحب، والواقع أن الحب ورد في القرآن أكثر من 83 مرة في عدة تصريفات ومعانٍ منها:
1ـ محبة الله عز وجل قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165].إن محبة العبد لربه سبحانه وتعالى هي أعلى مقامات العبودية، وإذا كانت العبادة تقوم على الحب، الخوف، الرجاء فإن الحب هو إمامها وقائدها.
أما الخوف والرجاء فهما كالجناحين للطائر يخفق بهما ذات اليمين وذات الشمال فالطائر قد يعيش بغير جناحين ولكنه لا يطير، أما بغير رأس فلا حياة له. فإذا ذهب الحب ذهبت الحياة وخبا الإيمان، وإذا وجد الحب وجدت الحياة وأشرق الإيمان.
2ـ محبة الله عز وجل لعباده، فإن الله سبحانه وتعالى يحب عباده الصالحين ويحبونه، وهذا أمر عظيم؛ فاستحضر عظمة الباري عز وجل وأسماءه الحسنى وجلاله وكبرياءه التي لا يقف عندها وصف ولا حد، واستحضر حمده وغناه، ثم تأمل كيف يتفضل بجلاله وعظمته على عباده الضعفاء الفقراء في أشكالهم وألوانهم ومدى عمرهم وشدة افتقارهم إليه وكمال غناه عنهم، ومع ذلك كله فإنه سبحانه وتعالى يحبهم!!
3ـ حب الناس لأنفسهم، ولأولادهم وأزواجهم، وللدنيا وللمال والشهوة، وهو حب بشري فطري، وقوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران: 14].
4ـ حب القوة والفتوة والرجولة كما في قصة الفتاتين مع موسى عليه السلام.
5ـ الحب المنحرف كحب امرأة العزيز ليوسف عليه السلام: {امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[يوسف: 30].
6ـ الحب الشاذ كما ذكر الله عز وجل عن قوم لوط، إذ كان الأمر لم يأت بتعبير الحب، لأنه ليس حبًا حقيقيًا، وإنما هو انحراف عن الفطرة، وفساد في الذوق وانتهاك لمحارم الله.
وعدة معانٍ وتصريفات للحب ذكرت في القرآن، فالحب نعيم في الدنيا والآخرة، وهو أقوى الروابط التي تربط العبد بربه، وأقوى رابطة بين الأبوين والإخوة والأخوات، وبين الأزواج والزوجات، والبشر عامة، ومن حكمة الله أنه جعل الحب غريزة فطرية عند الناس جميعًا.
الحب بين الصدق والزيف
قال الشيخ الدويش: هناك فرق بين الحب الصادق والحب الزائف كالفرق بين السماء والأرض، فالحب الصادق علامته طاعة المحب لمحبوبه؛ لأن الدعاوى لا تقبل إلا ببينة، فمن ادعى الحب ولم يتبع محبوبه فهو كاذب في دعواه، ومن ادعى محبة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ولم يتبعه فمحبته كاذبة أو ناقصة بحسب إخلاله في متابعته، قال الحسن البصري وغيره من السلف: ادعى قوم حبة الله فأنزل الله آية المحلة: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31].
وهناك فرق بين الحب في الله وحب الهوى، فقد أصبح كل من تعلق قلبه بأحد ألبسه لباس الحب في الله.
وعلامة الحب في الله أن تحب المرء لصلاحه وتقواه وليس لحاله أو وسامته أو وجاهته، كما أن الحب في الله قائم على البر والتقوى والتناصح وعدم المجاملة أو السكوت عن الأخطاء بين المتحابين.
أما حب الهوى فعلامته أن يقدم محبوبه ورضاه على حق الله ورضاه، ويبذل لمحبوبه أنفس ما يقدر عليه، ويبذل لربه إن بذل على فتور وكسل، وربما أوصل هذا الحب إلى الشرك. وأيضًا الحب في الله من أوثق عرى الإيمان، به يجد العبد حقيقة حلاوة الإيمان، وأيضًا الحب في الله لا يرتبط بعواطف شخصية ولا بروابط نسبية ولا بعلائق مادية، ولكنه يعلو ويهبط بمقدار البعد والقرب من الله.
أما الدكتورة فوز فتقول: الحب الصادق حب يرتكز على مقومات ثابتة لا تبدلها الأيام، الحب الصادق إن كان دافعه الكمال فليس كمال الجاه أو المال، فهو يأتي ويذهب وإنما كمال الدين والخلق وإن حركه فليس جمال الوجه أو الثياب وإنما جمال الروح وبهاء الإيمان وصدق من قال:
الحب لفـظ شريـف ليس يعرفـه من قد تغنـى على ليـلى بأوتـار
الحب معنى لـه في الدين منزلـة فكـم أتى فيـه مـن آي وأخبـار
فللمحبين يـوم الحشـر موعـدهم على منـابـر تبـدو ذات أنـوار
الأنبيــاء وأهـل العـزم تغبطهم طوبى لهم ظل عرش الخالق الباري
أما الحب الزائف فهو مجموعة من العواطف قد تتحرك في النفس وتملأ الوجدان لأعراض زائلة، أو مصالح مشتركة، أو شهوات ونزوات ما تلبث أن تذهب مع الأيام، وتستبدل بغيرها، وقد تتقلب عداوة وكرهًا وما أكثر صور هذا الحب إذا انفصل في دوافعه ونياته عن حب الإله.
فأسمى وأدوم محبة يكنها إنسان لآخر هي تلك التي تقوم على مقومات المحبة في الإله، يحركها ما للعب من جمال الروح والخلق وكمال المعرفة والعبودية والإحسان الدائم بالدعاء والنصيحة والوصية بالحق والصبر.
الحب الزائف صنعه الإعلام
تحدث معنا حول أثر الإعلام في تحوير معنى الحب الدكتور سليمان الغديان فقال:
إن الحب الذي تصدره الفضائيات إلى شبابنا وفتياتنا له هدف واحد وواضح وهو إثارة الغريزة الجنسية في نفوس هؤلاء الشباب، ثم توضيح سبل إشباع هذه العواطف [الرغبة الجنسية] وأنها سهلة وميسرة [طبعًا بالطرق غير المشروعة] مما أدى إلى ازدياد الانحرافات الجنسية بشكل كبير.
قال الأستاذ ظاهر الظاهر الكتاب بجريدة الجزيرة: والحب إما أن يكون صادقًا وهو الحب الذي ليست له أية مصلحة، أو أن يكون مصطنعًا ومؤقتًا لغرض ما، وهذا النوع لا يستقر وما يلبث أن يزول بمجرد زوال الحاجة إليه.
ومع الأسف فالإعلام صور الكثير من شبابنا وفتياتنا أن هناك علاقة حب صادقة بين الجنسين دون رابط شرعي، لكنها في الحقيقة أقرب ما تكون إلى الحب الشهواني الذي ما يلبث أن ينطفئ بمجرد تحقيق الشهوة، وسبب وقوع شبابنا وفتياتنا بهذه العلاقات هو الفراغ العاطفي الذي للأسف يجعل الفتاة خاصة فريسة سهلة لاصطيادها، مما يجعلها تنقاد إلى تلك العواطف الزائفة حتى تقف في عواقب لا تحمد عقباها.
حرمان الحب
صحيح أن الحب عاطفة سامية صادقة تدعو إلى الفضيلة وتسعد القلب إلا أن لكل شيء منغضات، فقد يكون الحب أحيانًا سببًا للتعاسة!!
ومن عوائقه أن يكون الحب من طرف واحد، كأن تحب الزوجة زوجها ولا يحبها والعكس أيضًا، أو أن يكون الحب زائفًا وغرضه مصلحة أو شهوة، أو قد يحب شخص فتاة ولا يستطيع أن يتزوجها، والعكس كذلك، وغيرها من العوائق، وقد ذكر لنا الشيخ الدويش قضايا تنجم عن الحب قائلاً: 'إن العاطفة إذا فقدت مسارها الصحيح وفقدت أسباب الاتزان بل وهيجت من قبل بعض وسائل الإعلام أو من قبل لصوص الأعراض انفجرت بشكل فوضوي، وها نحن نسمع ونشاهد قضايا العشق والغرام المعاكسات والزنا، وكلها مبنية على انحراف العاطفة، كما أن الغلو والتطرف والتكفير صور أخرى لانفجار بركان العواطف والحماس للدين، وانحراف العاطفة الدينية بين الغالي والجافي خطير جدًا له آثاره المدمرة على المتجمعات وفساد المعتقدات، كما في التشدد والتفكير والغلو في محبة الأولياء وآل البيت ولا أحد يستطيع أن ينكر شعيرة الجهاد في سبيل الله وتعلق القلوب بها، أو بآل البيت والأولياء والصالحين، أو حب الأخ في الله، فكلها أصول عظيمة في عقيدة الإسلام لها ضوابط وشروط لكن المشكلة إذا كان هذا البركان يفور ويغلي دون علم ووعي، فلابد إذن من التركيز على إظهار وإشهار المصارف الصحية والشرعية للعاطفة، فالعاطفة فطرة جعل الله لها مصارف، ومن أعظم مصارفها الشرعية محبة الله وحبة النبي صلى الله عليه وسلم ومحبة الأخ لأخيه في الله ومحبة الولد، ومحبة الوالدين، ومحبة الزوجين لبعضهما، ومحبة العمل وإتقانه.. وهذه كلها مصارف شرعية لتتسرب المحبة أو العاطفة بشكل متزن، فلما غفل عن هذه المصارف ولم يركز على التذكير بها أو التربية عليها أصبح هناك جفاء وبرود بين الإنسان وربه وبينه وبين والديه وأهله، وللأسف فتح مصرفًا واحدًا فتحته وسائل الإعلام وركزت عليه وهو مصرف العشق والغرام، وحب الرجل الأجنبي، فلم أسمع أو أرى يومًا مسلسلة أو أغنية تدور حول تعلق الزوج بزوجته أو العكس، وإنما حول خيانة أحد الزوجين وتعلق أحدهما برجل أو امرأة أجنبية!!
فمن يفتح المصارف الصحيحة إذًا؟! أين وسائل الإعلام؟ وأين المسلمين والمسلمات؟!
بل أين الآباء والأمهات؟!
أين هم من تأصيل وتصحيح وتوجيه الشباب إلى المصارف الشرعية الحقيقية للعاطفة وتأصيل عقيدة المحبة وعقيدة الحب والبغض.
ما لابد منه
حتى نصل إلى الحب الحقيقي الذي نسعد به في حياتنا وتسمو فيه أرواحنا وتزكو به نفوسنا لابد من السعي الجاد إليه والعمل بالأمور المؤدية إيه وقد ذكر العودة حفظه الله هنا بعضًا منها قائلاً:
أولاً: اصرف بصرك، فإن لك الأولى وليست لك الثانية، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:30،31].
لنلاحظ كيف فصل الله في الآيات: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ} و{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ}.
فلخطورة مد البصر ولأهمية غضه خاطب الله عز وجل الرجال على حدة والنساء على حدة؛ لأن الأمر يهم كلا الطرفين بمفرده، وهذه من المرات القليلة التي يفرد كل جنس فيها بخطاب.
والنظرة هي البداية؛ ولذلك عقب الله عز وجل بقوله: {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} فالبداية نظرة.
ثانيًا: التفكر في العواقب فإن هذا من الخصائص التي تميز الإنسان عن الحيوان، وليس كل ما خطر في بال الإنسان أو تيسر له فعله أقدم عليه حتى يعرف ما وراءه، فقد يسير الإنسان في طريق آخره هلاك من إيدز وأمراض جنسية لا حصر لها وحمل من سفاح، وأعرف شخصًا يقول لي بعد ما تاب الله عليه أنه واقع امرأة عقيمًا لا تحمل وأراد ربك عز وجل أن تحمل بتوأمين!!
فيا من لا تفكر في العواقب هل تريد أن تكون مسؤولاً عن إنسان يأتي إلى الدنيا هو لا يعرف أباه.
ثالثًا: الوصال الحلال: إن قصص الحب الخالدة في التاريخ هي التي حرم فيها أبطالها من الوصل كجميل وبثينة، وقيس وليلى.
وقد جعل الله في الحلال غنية وكفاية بالمحبوبة أو حتى بغيرها؛ ولهذا روى ابن ماجة والحاكم وغيرهما وسنده جيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'لم نر للمتحابين مثل النكاح' فالوصال الحلال يشفي قلب الإنسان ويزيل عنه هذه الغمة، فإذا لم يتمكن من هذه الفتاة فمثلها في النساء كثير.
رابعًا: اليأس والمباعدة مهما وجد الإنسان من ألم الفراق، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: 'ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه'.
خامسًا: صرف العواطف والقوى والطاقات إلى ما هو أسمى وأغلى، صرفها إلى محبة الله عز وجل، ونفع عباده والزلفى إليه بالطاعة والصلاة والصوم والذكر، إن القلب المملوء بهموم الأمة وهموم الناس قد يخفق لكنه لا يقع في أسره، أما القلوب الفارغة فهي التي تصبح نهبًا لكل طارئ وطارق، وتقول له هيت لك. فاستثمر حياتك في عمل جاد أو تفكير سليم أو إبداع نافع أو قربة صالحة.
أما الشيخ الدويش فقال: 'إن علاج مشاكل العشق والحب لا يمكن أن تعالجها وخصوصًا الحب الفاسد إلا بالحب الصالح، فإذا وجدت إنسانًا محبًا عاشقًا ولهانًا فمن الصعب جدًا أن تعالجه بمجرد الوعظ والكلمة أو التخويف والترهيب، قد ينجح هذا مؤقتًا لكن العلاج الناجح هو أن تحاول أن تحل محل الحب الفاسد حبًا صالحًا، وأعظم الحب الصالح هو محبة الله، فإلى كل قلب مأسور إلى كل نفس عاشقة، أخي أختي اسمعوها باختصار: املئوا القلب بحب الله تعلى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، املئوا القلب بحب الله تهن عليكم المصائب، تصغر الدنيا بأعينكم، تشعرون حقيقة بالسعادة والرضا.
محبة الله أولى
قال العودة: إن الأولى والأعظم في الحب هو حب الله عز وجل
فحبه بهجة الأرواح، وسرور القلوب ونور العيون وري الظلمات ووجدان المحروم، ويتجلى هذا الحب في دمعة تترقرق من عيني مؤمن خاشع مصل يتلو القرآن، أو في امرأة تخاف الله وتنهى النفس عن الهوى، أو في موقف مؤمن أرخص الحياة الدنيا ومتاعها طمعًا في جنة عرضها السماوات والأرض.
وفي محبة رسولنا صلى الله عليه وسلم وأنبيائه والمرسلين والصالحين من عباده.
وفي أن تحب ما يحبه الله عز وجل من الأعمال والأقوال الصالحة والبقاع الفاضلة.
أما الدويش فقال: إن محبة الله قوت القلوب، من رزقها ذهب بشرف الدنيا والآخر، ومن حرمها فهو في دياجير الظلمات، بل والله في عداد الأموات، ومحبة الله دلت عليها الفطر وجلبت عليها النفوس، وكيف لا نحب الله؟! وما من نعمة في الوجود إلا وربنا مسديها؟! كيف لا نحب الله وإحسانه جل وعلا لا يعد ولا يحصى؟! وكيف لا نحب الله وهو الذي يرفع البأساء ويكشف الضراء {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53] كيف لا نحب الله وهو الذي خلقنا ورزقنا وأحيانا وأماتنا، وهو ستير يحب الستر، وعفو يحب العفو، إذن فلنحب الله تعالى من قلوبنا، فإن من ملأ قلبه بمحبة الله عاش سعادة الدنيا والآخر
مع تحيــــــــــــــــات/اســــــــــــــــــــلام كبـــــــــــــــــــو
للمراسلـــــــــــــــــة
kbo_elngar20@yahoo.com
www.elngar@love.com